قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
تفاسير سور من القرآن
66308 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ

...............................................................................


قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ .
لما نصح نبي الله هود قومه هذا النصح الكريم، وذكرهم بآلاء الله ونعمه، وأشار لهم إلى أن الله أهلك من كان قبلهم لما عصوا وتمردوا، وكان قد خوفهم قبل هذا، وهددهم بأنهم إن لم يؤمنوا بالله أهلكهم الله وعذبهم.
قالوا له هذا الجواب الخبيث الذي هو في غاية الخبث، وبذاءة اللسان، والعتو، والتمرد على الله. قَالُوا ؛ أي قال قوم هود لهود أَجِئْتَنَا يا هود بهذه الدعوة التي جئت بها، والدين الذي تزعم وتدعو إليه، لتصرفنا عن آلهتنا التي كنا نعبدها، و لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ نعبد إلها واحدا لا نشرك به شيئا آخر من الآلهة. وَنَذَرَ ؛ أي ونترك ما كان يعبد آباؤنا من الآلهة. فقوله: نَذَرَ معناه نترك.
وهذا الفعل لا يوجد منه في العربية إلا مضارعه وأمره، تقول: يذر الأمر بمعنى يتركه، وذر بمعنى اترك، ولا يستعمل منه في العربية إلا الأمر والمضارع؛ فماضيه ترك واسم فاعله تارك، واسم مفعوله متروك، ومصدره الترك؛ لأنه لا يوجد منه إلا الأمر والمضارع.
فمعنى لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ؛ أي لنفرد خالق السماوات والأرض وحده بالعبادة، وَنَذَرَ ؛ أي ونترك أي عبادة ما كان يعبده آباؤنا من قبلنا من هذه الآلهة والأصنام، وكانت عندهم أصنام يسمونها، كما دل عليه قوله: أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا والمؤرخون وأهل الأخبار يزعمون أن منها صنما يسمى صداء أو صمد، وصنم يسمى صمود، وصنم يسمى الهباء، وهم يعبدون هذه الأصنام، ويسمونها بهذه الأسماء.
أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ هذا إنكار منهم، وهم ينكرون أعظم الحق، وأوضح الحجج، وهي توحيد رب العالمين. وَنَذَرَ أي ونترك ما كان يعبد آباؤنا من قبلنا، ثم قالوا له: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا نحن لا نصدقك أبدا، ولا نؤمن لك أبدا؛ فالعذاب الذي تهددنا به عجل به علينا، فإن كان عندك شيء أو صدق، فائت بالذي تهددنا به وتخوفنا به.
إن كنت صادقا في ذلك الوعيد فهات العذاب وعجله، وهذا أعظم الطغيان والتمرد؛ كما قال كفار مكة إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ فاستعجلوا بالعذاب، وأظهروا التمرد النهائي، وأنهم لا يرتدعون، ولا ينكفون عن كفرهم.
فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ؛ أي بالذي تعدنا به من العذاب، وعذاب الله لنا في زعمك إن كنت من جملة الصادقين، فهات الذي تهددنا به تمردا على الله، وتعجيزا لرسوله، واستخفافا بدعوة نبيه.